أردول يرد على خالد عمر
الخرطوم- لايف ميديا
كتب مبارك أردول القيادي بالكتلة الديمقراطية، مقالا تحت “عن قضايا الانتقال وإشكالات الاتفاف الاطارئ” ردا على منشور كتبه وزير شؤون مجلس الوزراء السابق خالد عمر يوسف، عن قضايا الانتقال.
وقال أردول إن نزع فتيل التوتر والخروج من نفق الأزمة الحالية يتطلب الآتي:
التراجع عن الاتفاق الإطاري.
إلغاء منصب رأس الدولة المدني.
العودة إلى مجلس السيادة المختلط من المكون العسكري (جيش ودعم سريع) ومدنيين (قوى سياسية واطراف سلام).
معاملة متساوية في قضية الشركات والاستثمارات بين القوات المسلحة والشرطة والمخابرات مثلها مثل الدعم السريع.
تعيين قيادة الشرطة والمخابرات وفق الوضعية القديمة بواسطة المكون العسكري.
وقف تدخل السلطة التنفيذية في القضاء بدواعي الإصلاح.
مدخل واقرار
تعليقا على المقالة التي كتبها السيد وزير مجلس الوزراء السابق عن قضايا الإنتقال، دعوني في البدء أتحدث بشكل مباشر وبكل صراحة دون إنحياز أو ميول لأي طرف من الاطراف العسكرية، ولنضع الاتفاق الإطاري في منضدة التشريح وبقناعة تامة إن التشريح السليم للأزمة يحدد مواقع الخلل و يعتبر مدخل لإيجاد دواء ناجع يخرج بلادنا من النفق الذي دخلت فيه، وهدد بقاء الدولة لأول مرة منذ تأسيسها.
الدافع الذي يقودني لكتابة هذا المقال هو الروح الوطنية البحتة لا المكايدة السياسية، لذلك لن أنحاز لاى جهة أو شخص بل سأضع رؤيتي كاملة دون سلطان سوى تبصير القارئ بجذور مشكلة التوتر الحالية واحاول وضع الحلول الممكنة للخروج ببلادنا الى بر الامان.
ما دفعني لكتابة هذا التعليق هو ما كتبه الوزير السابق خالد عمر يوسف عن تحليله للأزمة الحالية بين الجيش والدعم السريع والتي أرى فيها تغبيشا للحقائق وتضليلا للرأي العام في قضايا تتطلب الوضوح والصراحة.
بوادر التوتر
لا شك ان سبب التوتر الحالي يعود للاتفاق الإطاري الذي وقع في الخامس من كانون الأول ديسمبر الماضي 2022م ، الذي أسس لوضعية غير مقبولة سياسيا ولا من المواطن وقواه المختلفة كما انها غير ممكنة التطبيق بأي حال من الأحوال وأول المتضررين منها هو القوات المسلحة ومن بعدها تأتي القوى السياسية التي تؤمن بمشروع التعددية السياسية في ادارة الانتقال وصولا للانتخابات ومن ثم الشرطة والمخابرات ولا تسلم منها حتى المؤسسات العدلية والخدمة المدنية.
إثبات الفرضية
إذا ما اعتبرنا ما ذكرته في الفقرة السابقة اعلاه مجرد فرضية، دعوني اسهب في التفصيل والشرح لدعمها بالوقائع والبراهين، فالصيغة التي إشتركنا في التفاوض حولها عقب سقوط نظام البشير في العام ٢٠١٩م وانتجت الوثيقة الدستورية مع المجلس العسكري كانت تنطلق من مبدا التعاون والشراكة بين جميع الاطراف ، بحيث حققت الوضعية مكاسب للكل (Win win situation)، ولذلك كانت الفترة الإنتقالية مستقرة في السنتين الأوائل وعمل جميع الشركاء بإنسجام حتى عرف بالنموذج السوداني الذي كان يعتبر مضربا للمثل في المنطقة. وقد أستمر ذلك الوضع الي أن تدخلت ذات الجهات التى اربكت الوضع اليوم في الإخلال بتلك الوضعية وأدت الى إنهاءها، وهى ذات الجهات التى صممت الاطاري اليوم وتوالي الدفاع عنه.
ما الخطأ في الاطارئ؟
لنسأل أنفسنا إذن ما الخطأ في النموذج الحالي المطروح في الإتفاق الاطارئ؟
هنالك اشكالات عديدة في الاتفاق الاطارىء نتناول اهمها. اول هذه الاشكالات الدعوات الغير موضوعية التي كرست لإخراج المكون العسكري من المشهد السياسي، دون اعتبار لواقع البلاد أو الاخذ في الإعتبار خصوصية السودان كدولة محورية في الإقليم اذ لايمكن تطبيق تلك المعايير التي ظل يطرحها بعض الساسة غير الواقعيين واصحاب الغرض والمطامع في السلطة.
أسس الإتفاق الإطاري لرأس دولة واحد بدلا عن المجلس المختلط والمتعدد السابق في ٢٠١٩م ، وأضيف له (رأس الدولة) عبارة مدني وهو ما سيؤدي حتما لفقدان الفريق أول البرهان لموقعه السيادي الذي ظل يشغله منذ سقوط نظام البشير، وبالتالي سوف يفقد القوات المسلحة لأول مرة في تاريخ البلاد سلطتها السيادية على البلاد خلال فترة الانتقال وستجلس على الرصيف.
وبالمقابل منحت الوضعية الجديدة سلطة السيادة لشخصية مدنية غير منتخبة تختارها (قوى الثورة) وهم نفر ليست لهم شرعية إنتخابية كما ان احدهم اعلن صراحة على رؤوس الاشهاد انهم لا يمثلون الثورة ، وغير مجمع عليهم ولا قبول جماهيري لهم (ولو إجماع سكوتي)، هم فقط جزء من القوى السياسية.
سيشترك في اختيار الشخصية المعنية (رأس الدولة) تحالف مكون من مجموعة صغيرة من القوى السياسية المدنية وفق الاتفاق الإطاري وتوابعه من الإعلان السياسي، و يلعب التحالف الواضح بين المجلس المركزي مع الدعم السريع دورا حاسما في عملية الإختيار هذه (وهو المكسب الثمين الذي منحوه تحايلا لقادة الدعم السريع وبإتفاق ضمني لربما غير مكتوب ولكنه ظاهر يقومون بالمقابل بمواجهة قادة الجيش وكذلك الرافضين لتثبيت اتفاقهم هذا). يؤكد ذلك الظهور المتكرر لاحد مستشاري نائب الرئيس بجانب الوزير السابق في كل الجلسات السياسية بإسم القوى الموقعة، هذا الوضع يؤكد إن قرار إختيار رأس الدولة بيد تحالفهم المخفي/الواضح، يؤكده أيضا ان السلطة التي منحت لرأس الدولة المدني هذا بأن يكون هو القائد الأعلى لقوات الدعم السريع فلم توضع هذه الصلاحية من فراغ الا في عملية مبادلة يعلم مسبقا قادة الدعم السريع انهم سيكون لهم اليد في اختيار قائدهم الأعلى.
يضاف لذلك ان تمسكهم بالإطارئ – مع عدم الإجماع حوله- رغم أن هنالك نص يقول إن قوات الدعم السريع جزء من القوات المسلحة ولكنه نص ليس بذي قيمة إذ أن هذا النص لا يخول للقائد العام للقوات المسلحة أن يكون قائدا أعلى لكل القوات بالبلاد بما فيها قوات الدعم السريع، هذه الوضعية جعلت ليكون في البلاد قائدين لجيشين او بشكل أدق (للمكون العسكري السابق وفق الوثيقة الدستورية 2019م) أحداهما الفريق أول البرهان كقائد عام للقوات المسلحة بعد أن ينحى من موقعه السيادي، والآخر رأس الدولة المدني كقائد أعلى لقوات الدعم السريع، وهي وضعية خلقت جيشين في البلاد وقائدين عامين، فاذا لم تتضارب أعمالهما وتتقاطع مهامهما الآن فسوف تحدث في المستقبل القريب سيما بعد بدء ممارسة الثاني لمهامه في إصدار أوامر التدريب والتسليح والتطوير والتاهيل والإنتشار واعادة الإنتشار. فلما يحمل الوزير من خلال هذا اسباب التوتر للفلول؟ أين الفلول هنا وما هو دور النظام البائد؟ لم تغبش الوعي يا (سلك) على الاقل في نموذج النظام البائد كان البشير هو القائد أعلى للقوات المسلحة والدعم السريع، لم تحس القوات المسلحة بأن هنالك قوات بديلة لها ولها قائد أعلى مختلف عن قائدها، فلم يمنح البشير هذه السلطة لاحد غيره.
الخلل في معالجة أمر شركات الجيش
أيضا لم تقف قضية الإختلال في الإتفاق الاطاري عند ذلك الحد بل ذهبت في معالجة مطففة ومختلة في قضية إستثمارات وشركات القطاع الأمني، بحيث قضى الاتفاق بحرمان القوات المسلحة والشرطة والمخابرات من الاستثمار الا في الأغراض التي تخصها (وهو نص معلوم بالضرورة وغير متنازع حوله) غير ان هذا النص لا ينطبق على قوات الدعم السريع حيث تركت حرة دون ذكرها، وكما يقال المساواة في الظلم عدالة، ولذلك يجب أن تمنح جميع القوات هذا الحق او تحرم منه.
وكما هو معروف عالميا تعمل العديد من الجيوش في نشاطات مختلفة والامثلة عديدة منها الصين واثيوبيا ومصر، بل حتى امريكا نفسها ولذلك ليس بدعة ان تعمل شركات الجيش في النشاطات الاقتصادية وهي ليست بدعة ادخلها الجيش السودانى وبالنظر لواقع الدولة الاقتصادي المتردى حاليا فالراجح انه اذا ما تم حرمناهم بالقانون فسوف يذهبوا بلا شك بالطرق الملتوية، أو سيضعون عبئا ثقيلا على وزارة المالية في كل احتياجاتها وهي تجتهد كثيرا الآن لتغطية نفقات الفصل الأول وفي موعده، ناهيك عن احتياجات التدريب والتسليح والتطوير والتاهيل وغيرها، فمن وضع الاتفاق الاطاري لم ينظر للمهددات الدولية والاقليمية التي سوف تواجه الدولة بعد اضعاف وتقزيم القوات المسلحة، لأن هذه الاتفاقية ستحول القوات المسلحة لدور أشبه بشركات الحماية الأمنية، أفراد مسلحين ينتظروا وزير مالية هذا الحلف ان يجود لهم بالرواتب فقط!!! تاريخيا طورت قيادة القوات المسلحة هذه المؤسسة بنفسها ومن استثماراتها، وليس من المقبول حرمانها من تطوير قدراتها دون توفير بدائل، حصارها بهذه الطريقة سيقود لتدهور اوضاعها شيئا فشيئا وهو امر قد تكون له تبعات خطيرة مستقبلا على تطويرها وتماسكها، بل ربما على استقرار البلاد والمنطقة.
المخرج في قضية الاستثمارات والشركات الأمنية
اعتقد ان المخرج هو تمكين هذه المؤسسات الأمنية جميعها من العمل بشرط حوكمة هذه الشركات وادخالها في دائرة القوانين المالية وكذلك اخضاعها لقوانين المراجع القومي والزامها بقوانين الاستثمارات مثلها ومثل شركات القطاع العام الاخرى، واقع التجربة يؤكد ان العمل داخل هذه الشركات أكثر فعالية و انضباطا من شركات القطاع العام المدنية نسبة لطبيعتها العسكرية وتجربة الدول التى اشرنا اليها تؤكد ان مساهمة شركات الجيوش قادت الى انجاز العديد من المشروعات الضخمة خاصة في البني التحتية التى قادت بدورها لنهضتها، ولنا في تجربة الفشقة خير مثال.
سلطات رئيس الوزراء غير العادية
مكنت الاتفاق الاطاري رئيس الوزراء وهو يمثل التحالف القائم بين الدعم السريع والمجلس المركزى من تغيير وتعيين كبار قادة الخدمة المدنية وكذلك تعيين قائدي الشرطة والمخابرات العامة دون التقييد و الرجوع لهيئاتها القيادية، فجعلته سلطة في يد القوى التى عينته فضلا عن سعي تلك القوى لتكوين جهاز أمن داخلي جديد، وهو جهاز بديل للجهاز الحالي وبالطبع سيسخر للاستبداد السياسي وتصفية الخصومات السياسية، هذا اذا لم يكن تمكين أمني جديد من ضباط الي أفراد وخلق ثنائية ومؤسسات أمنية نظيرة للقائمة حاليا، لعمري كيف يفسر الوزير السابق مسألة الاصلاح الأمني هذه في ظل اختلاق دولة أمنية جديدة وفق إتفاقيتهم الإطارية؟ ولماذا حلت الحكومة الإنتقالية هيئة العمليات ابتداء طالما يسعى الاتفاق الاطاري لخلق جهاز بديل!
التدخل في القضاء والنيابة والمحكمة العليا والدستورية
بإسم إصلاح القطاع العدلي والجراحة العميقة كما صرح عضو مجلس السيادة السابق محمد الفكي سليمان نجد أن الاتفاق الاطارىء مكن نفس المجموعة من القوى السياسية من السيطرة وتفكيك المؤسسات العدلية مثل المحكمة الدستورية و المحمكة العليا والقضاة والنيابة وإستبدالها بما تريد وممن يواليها وهو ما سيجعل من أمر إقامة دولة موازية داخل الدولة امرا واقعيا ومحميا بشرطة ومخابرات وجيش له قائد أعلى ليس منتخبا من الشعب ولا هو قائد القوات المسلحة المؤسسة الوطنية القديمة التي ظلت تاريخيا تلعب دورها السيادي في ظل الانتقال.
إستدعاء للانقلاب أو تغيير الوضعية
هذه الوضعية اذا لم تتحرك قيادة القوات المسلحة لمعالجتها وتغييرها والضغط للتراجع عنها علنا واعتماد وثيقة اخرى بديلة ومختلفة عنها، ربما تفتح الطريق وتمهد لجهات عسكرية اخري للتحرك متجاوزة القيادة الحالية وسوف نصبح جميعنا ضحايا لاخطاء قاتلة أسس لها الاتفاق الاطارىء. والاسواء من كل ذلك هي تحرك القوى الغير مؤمنة بالثورة وبالتحول الديمقراطي من أساسه.
المخرج الآمن للجميع
بدلا عن الاكتفاء بالموال القديم وشتم ولعن شبح (بعاتي) الفلول والنظام البائد، دعنا نسد الثغرات ونبتدر الحلول الممكنة بأنفسنا للخروج لبر الأمان، وأعتقد أقربها هي العودة للوضعية القديمة في الوثيقة الدستورية 2019م وبتعديلاتها التي شكلت مجلسا مختلطا ومتنوعا، آمنت للجميع حقوقه، ولم تغفل التنوع الجهوي والمهني والسياسي في البلاد، وأبعدتهم من المعادلة الصفرية لكي لا يكسب طرف كاملا ويخسر الاخر كاملا (Zero sum game)، فالقوات المسلحة هنا خرجت من المولد بدون حمص، وحتى لا يحفز طرف آخر في داخلها ويبرر له الانقضاض على الانتقال ويؤسس لشمولية جديدة، اذكر المثل الشائع عند أهلنا المسيرية لا تهمل الغنم ولا تقمح المرفعين (لا تترك الماعز لوحدها ولا تجوع الذئب)، وما يحفز الاطراف الآن للرجوع لوضعية الوثيقة الدستورية هي إتفاقية سلام جوبا والمصفوفة المحدثة التي وقعت الاسبوع السابق في جوبا، والتي تستند علي الوثيقة الدستورية، و هذا يوفر تبرير يحفظ ماء وجه جميع الاطراف هديا بالسلام وحرصا على الإستقرار.
ولا خير فينا إن لم نقل هذا وفي هذا الوقت…
4 مارس 2023م