ايمن كبوش يكتب :يوم الهلال..
افياء
ايمن كبوش
يوم الهلال..
ما بين السابع من يناير من العام 2019 والخامس والعشرين من عام 2022 جرت مياه كثيرة تحت هذا الجسر الانساني.. ومضت مواقف اكثر الى النسيان.. هاهي ايام وسنوات عديدة ترحل مسرعة على قطارات الرحيل الى العدم.. وتبقى الذكريات.. الشخوص والمواقف وتلك الامسيات الحبيبة الى النفس، النابضة بالحب وتلك المشاعر الصادقة.. دلفت بالامس الى تلك الدار الرحيبة وقد غاب من غاب من اولئك الذين كانوا معنا.. صاحب الدار وبابا الهلال.. ماما الدار.. محمد حمزة الكوارتي.. الطيب قرشي.. وعبد الاله عثمان.. استدعيتهم جميعا من ثنايا هذا المقال: (في آخر زياراتها الاسرية الراتبة.. الى مدينة ام درمان.. توقفت طويلاً عند الشارع.. الذي طالما قطعه شقيقها الراحل.. ذهاباً واياباً.. كان يقطعه ’’كفاحاً’’ من نقطة البداية في ’’المنشية’’ او ’’بتري’’ ’’صدارة’’ شارع الجمهورية.. الى نقطة الوصول.. في ’’العرضة الشمالية’’.. وبالعكس. في ذاك اليوم.. لم تختر مكاناً لتتوقف فيه.. في كل ام درمان التي تعرفها.. بـ’’بقعتها’’.. و’’طابيتها’’.. وعبق التاريخ فيها.. غير شارعٍ مألوف لديها يتوسط ’’العرضة الشمالية’’.. كان الشارع.. هو شارع ’’زعيم امة الهلال’’ الراحل ’’الطيب عبد الله محمد علي’’.. عليه رحمة الله.. وقفت هناك.. وكأنها تناجيه.. تحاكيه.. وتتذكر امسيات الهلال.. نضار الهلال.. فخار الهلال.. وتستعيد كل الاشياء الجميلة التي رحلت ’’خلسة’’ وكأنها تستحي من قدر البقاء الطويل.. وقفت امام لافتة الشارع الذي يربط ما بين موقف الاستاد.. بإمتداده الطويل.. الى سوق ’’الريحة’’ المتصل بمدخل الشوق الشعبي جنوباً.. تقع اللافتة تحديداً جنوب ملعب استاد الهلال.. وقد كتبوا عليها: ’’شارع الزعيم الطيب عبد الله’’.. وقفت.. وكأنها تسترجع شيئاً من اشياء عديدة تركها الراحل الكبير خلفه.. ولعله هو.. في ذات الوقت.. كان يستحثها لقطع تذاكر السفر والرحيل الابدي اليه.. حيث يلتقي الاحبة وتأتلف الارواح. هي المرأة الجميلة.. الوسيمة.. التي كثيراً ما جملت امسياتنا بإنسها وذكرياتها في التعليم والسفارة السودانية.. وحافظت على بهاء تلك الدار الرحيبة.. كما ظلت على مدى اكثر من عقد من الزمان تعطي القادم إليها الاحساس الصادق بأن ’’ود السارة’’.. مازال موجوداً بإبتسامته الودودة وحضوره المهيب.. وهي كذلك.. تسبقها ابتسامتها الى كل القادمين وقد تكون في عز ايام مرضها.. ومع زياراتها لعيادات الاطباء لا تصدر الى زائريها أي احساس بالمعانأة او الضجر.. كما ظلت في كل المناسبات التي جمعت الاهلة في هذه الدار تمثل ما قاله ذاك الشاعر: ’’يا ضيفنا لو زرتنا.. لوجدتنا نحن الضيوف انت رب المنزل..’’ تجلس في مائدة ’’طه علي البشير’’ مثلما تجالس ’’عبد الاله عثمان والطيب قرشي’’.. تُحدث ابنها ’’مالك جعفر سر الختم’’.. مثلما تُكلّم ’’سليم ابوصفارة او الصحاف’’.. تنادي ’’حسن اب تلة’’ وكأنها ’’تنده’’ على ابنتها الدكتورة ’’ تيسير السنوسي’’.. لها عند الناس مودة خاصة بحجم مودتها.. ولها في الوجوه الناس مهابة.. صاحبة صوت خفيض ولكنه مسموع بكل الوضوح.. وخلف ابتسامتها يكمن ضياء عصي على التصديق.. يجلس اليها اللواء ’’ميرغني ادريس ومالك جعفر’’ ولا تكاد تسمع منهما شيئاً وكأنهما يجلسان في ’’مسيد الشيخ’’.. تمازح ’’محمد حمزة الكوارتي’’ ويطرق ’’مولانا الطيب العباسي’’ الى الارض.. وكأنهما في حضرة ’’الحسيب النسيب ’’.. من اين لهذه المرأة بكل هذا البهاء.. ؟! .. هذا الضياء.. والحضور الطاغي.. سودانية من زمان منسي.. الهدوء.. و’’الشلوخ’’.. والمسبحة الصوفية.. والبساطة.. يا الله.. كيف ستصحو ’’تيسير’’ بدون ذاك الصوت.. وكيف ستأتي الى ام درمان والدويم بدون (ماما الدر).. كيف لها ان تعانق القاهرة والرياض وجدة وعواصم الصقيع والشتاء وقلبها خالٍ من طعم الرفقة والموانسة والامان.. لك الله يا ’’تيسير’’. وداعا من الاعماق ايتها الراحلة ’’الدر عبد الله محمد علي’’.. الف رحمة ونور تتنزل على قبرك.. بقدرما قدمت وانجزت للناس والاشياء والانسانية.. و…. يوم رحيلك من البلاد.. هلالك موشح بالسواد.)
بالامس تداعى الاهلة بقيادة السوباط والحكيم طه والعميد عمر علي حسن والفريق اول ميرغني ادريس والطيب العباسي، واخرين كثر جاءوا للتعبير عن هلاليتهم في افطارهم السنوي الراتب فجددوا العهد بان تظل هذا (اللُحمة) في مكانها وان يظل الهلال في القلب.. كان يوما من ايام الهلال الخالدات.. الحضور الضجة.. التنسيق والتنظيم والختام الجميل (كانت ساعة النصر باكتمال الهلال).